أحلام تلميذ مفشل دراسيا
رضوان مبشور
طالما حلمت و أنا صغير ببابا نويل , كنت أتخيله وهو ينزل من السماء بقامته و حصانه الأبيض وعصاه السحرية مستعدا لتحقيق أحلامنا الصغيرة , هكذا كنت أتصوره و أنا معجب بشخصيته بلباسه الأحمر ولحيته البيضاء الكثيفة وهو يطوف على المنازل ويوزع الهدايا و المفاجآت .
الحلم ذاته ما زال يراودني رغم أني لست طفلا , أتخيل نفسي في لحظات صفاء أمام بابا نويل , أتوسل إليه أن يحقق لي حلما واحدا , لا أحلم إلا بمنصب كاتب الدولة في وزارة التربية الوطنية لمدة دقيقة لا غير , أعلم أنه حلم من سابع المستحيلات في بلادي , لكن لاأحد يمنعني من الحلم لأنه ليس بالمستحيل مادام تحقيقه مباح خصوصا أني لا أطالب إلا بمنصب و لمدة دقيقة فقط , أجلس خلالها على ذلك الكرسي الوتير المريح الباهض الثمن لأحقق أحلامي .
أتخيل نفسي كاتبا للدولة في وزارة التربية الوطنية لست من الطامحين إلى السلطة أو المشدودين إلى جبروتها, إلا أني أريد أن أحكم لمدة ستين ثانية فقط . فكيف يعقل للمغرب أن يتواجد في ديل ترتيب الدول من حيث مستوى التعليم , فحتى قطاع غزة المحاصر و العراق المحتل أحسن منا .
ففي حدود الثامنة و 00 ثانية وهي لحظة تربعي على عرش وزارة التربية الوطنية , وأول قرار سأوقع عليه هو طلب الإعتدار من كل التلاميذ لسياسة التفشيل الدراسي التي باتت الدولة تنهجها في حقهم , أعدكم سأفعل , حينها سيدكرني التاريخ بأنني منصف المظلومين ما دمت ساهمت في إنصاف تلاميذ دنبهم الوحيد ولوجهم المدرسة . ولأنني متمسك بتقاليد المغاربة , سأرسم على رأس كل تلميذ
"عفوا أيها التلميذ المفشل دراسيا " و أرسم على خده قبلة إعتدار أمام الجميع .
وفي حدود الساعة الثامنة و30 ثانية سأوقع على قرار بتسوية وضعية رجال التعليم لجعلهم يشتغلون في وضعية مريحة , و الإعتدار لهم أيضا على ما أرتكب في حقهم . وسأوقع على تالث وثيقة في حدود الساعة الثامنة و 45 ثانية , وأنا مستلق على الكرسي المغناطيسي على تغييرجميع المقررات الدراسية , وذلك بعدما طلبت من بابانويل إحضار وزير التربية الوطنية لأسئله هل إبنه يدرس في هذه المقررات , فأجابني ب (لا ), لأن هذه المقررات مخصصة فقط لأبناء الشعب و ليس لأبناء أرباب الشعب . و لأنني متمسك بفكرة أن من أراد أن يعرف سر تخلف أمة فما عليه إلا أن يرجع إلى مقرراتها الدراسية . لذلك لن أتردد و لو للحظة على التوقيع على هذا القرار . لكن وللأسف أطلت الحوار مع وزير التربية الوطنية ليفاجئني بابانويل أن الثامنة والدقيقة الواحدة قد أشرفت على بدايتها وهو ما إتفقناعليه . وقبل مغادرتي مكتبي في حدود الثامنة و 59 ثانية أوصيت خيرا بكل من يدرس ويدرّس, فهم حتما جيل الأمل يستحقون الأوسمة و النياشين بدل نهج سياسة التفشيل الدراسي في حقهم, وسأدشن صنابير المعرفة في جميع البيوت .
ولسوء حظ الأميين فقد نسيتهم , في المغرب نسبة الأمية تجاوزت 95 في المئة , لأن الأمي ليس هو من لا يعرف القراءة والكتابة , بل الأمي هو ذلك الشخص الحاصل على شهادة الدكتوراه , الوزير , الأستاد ,المتقف … ولايجدد معرفته , هو في 2010 ويسير حياته بحداثة 2009 أو بحداثة الأمس فقط , فأول شئ يجب أن نلقنه للأمي ليس الحروف الهجائية أو الأرقام , قبل ذلك يجب أن نعلمه كيف يستيقظ وكيف ينام , وأقصد هنا ثنائية الحياة و الموت .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق