كيف و لماذا يلجأ الناس إلى الدخول في علاقات على الانترنت؟ هل بإمكاننا مقارنة العلاقات الإنسانية بالواقع مع العلاقات التي تخلق عبر الانترنت ؟ و ما هي الآثار المترتبة عن هذه العلاقات الشخصية الالكترونية ؟ما هي دوافعها و ما الذي يجذب الناس إلى ولوج هدا العالم الافتراضي في إطار شخصي؟ في حين أنه يمكنهم الحصول على ما توفره هذه العلاقات على الانترنت في الواقع ووجها لوجه. كل هذه أسئلة حاول الباحثون الإجابة عنها و إعطاء تفسير نفسي منطقي و عقلاني لها لمعرفة لماذا أصبح فن التواصل المباشر بين الناس يحتاج لإنعاش في حين انه منتعش و حي في العالم الافتراضي؟
هي ربما ثلاثة أفكار تلخص الرؤية و الإحساس اللذان يشعر بهما الوالج لهذا العالم الافتراضي و تتلخص في التفاعل الاجتماعي و الانتماء أو الإحساس بالانتماء للمجتمع.و يأتي عامل التفاعل كدافع قوي لدى الأفراد لجعلهم يلجون عالم الانترنت و يحتكون بأشخاص آخرين لا يشكلون أي نوع من أنواع الخطر عليهم ففي الوقت الذي عرفت فيه المجتمعات الأمريكية بداية ظهور التفككات الاجتماعية في الكيان الأسري و الاجتماعي أتى الانترنت ليثري الحياة الاجتماعية في العمل و المنزل و يملأ الفراغ فأضحى استخدام ما يعرف بشبكات المعلومات (الإنترنت) أمراً ذائعا ومتاحا لأغلب الناس.
فكما يرى كلينغ ﴿1996﴾ إن تدهور المجتمعات آنذاك و انتشار الجريمة في الأماكن العامة جعل الناس يهربون من حياتهم الاجتماعية التي تبدأ بعد فترات العمل و يأوون إلى منازلهم أو بالأحرى إلى أجهزة الحاسوب و هو ما أفسح مجالا للقيام بالعديد من النشاطات التي كانوا يقومون بها في الخارج عبر الانترنت . فمثلا صار بإمكانهم التسوق عبر الانترنت و الدراسة و رؤية الأهل و الأصدقاء دون تكلف عبء السفر و التنقل و هو ما أدى إلى عزلهم اجتماعيا و عدم تفاعلهم مع المجتمع الخارجي حيث عزز هذا الاستخدام المفرط للانترنت و قضاء ساعات طوال أمام شاشات الكمبيوتر القيم الفردية بدلا من القيم الاجتماعية وقيم العمل الجماعي المشترك الذي يمثل عنصرا هاما في ثقافة المجتمعات .
و هو ما يقلص فرص النمو و التفاعل الاجتماعيين بشكل صحي ناهيك عن العلاقات الشخصية التي يرتبط بها غالبا المراهقون و الشباب و هو ما ينعكس سلبا على مسارهم الدراسي و المعرفي و هذا ما استقيناه من استطلاع رأي أجريناه حول ظاهرة الحب الالكتروني و العلاقات التي تربط الأفراد عبر الانترنت مع مجموعة من الشباب من مختلف الأعمار و التخصصات و المستويات الدراسية فقد عبر يوسف ازنزار ﴿25 سنة ﴾ ﴿موسيقي﴾ عن أن علاقته بالانترنت تكاد تكون منعدمة و انه لا يعترف بهذا النوع من العلاقات فهي مجرد تسلية و مضيعة لوقت يمكن استغلاله في البحث على هذا الجهاز العجيب و انه كان من ضحايا هذا النوع من العلاقات و اعتبرها علاقة عابرة لم يكن لها أي تأثير في حياته لأنها لم تصل لدرجة النضج الذي تفترضه أي علاقة حب بين تنشأ بين طرفين.
في حين ترى سميرة اتمحاند ﴿20 سنة ﴾ ﴿طالبة﴾ أنها شهدت علاقات ناجحة مرت عبر الانترنت و أن إمكانية حدوث علاقات تنتهي بالارتباط كبيرة جدا فإحدى قريباتها تزوجت عن طريق الانترنت و كانت علاقة ناجحة و هو ما خلق لديها نوعا من الارتياح حول ماهية هذه العلاقات. و قال سعيد ايت باهي ﴿24سنة ﴾ و يعمل صاحب مقهى انه صادفته عدة حالات كانت تعيش قصص حب عبر الانترنت و ترتاد المقهى بشكل يومي و منها من ارتبطوا فعلا و كانت النتيجة هي الزواج و عبر عن دعمه لهذه العلاقات في حالة استوفت الشروط الضرورية لتنتهي بالارتباط الفعلي كاللقاء و الاتفاق مسبقا على شروط تدعم فكرة الارتباط و الزواج .
فكون هذه العلاقات تنشأ عبر الانترنت هذا لا ينفى مصداقيتها حسب رأيه بل هي وجه من أوجه العولمة التي يشهدها عصرنا و ليس لها أي تأثير على حياة الأفراد الاجتماعية و النفسية بل هي فرصة اكبر في التعرف على ثقافات أخرى لم تكن متوفرة لأسلافنا و بها أصبح من الممكن إيجاد شريك من بلد آخر و هو شيء ايجابي بنظره.
في حين يرى محمد عالي ﴿29 سنة﴾﴿صحفي﴾ انه عادة ما تأتي هذه العلاقات لملء الفراغ العاطفي عند العديد من مستعملي الانترنت و غالبا ما تكون فرصة للإيقاع بالآخر و الإحساس بالانتصار و في مقارنته للعلاقات الالكترونية بالعلاقات في الواقع يرى أن العلاقات الالكترونية واقع و واقع منتعش أيضا و إلا كيف سنفسر الأعداد المليونية التي تلج مواقع الزواج و المواعدة يوميا .
نظرة ٌ, فابتسامةٌ, فسلامٌ, فكلامٌ, فموعدٌ, فلقاء هو الحال الذي اعتدنا عليه في بداية اغلب علاقات الحب و هو ما عشنا فيه من خلال الروايات الرومانسية التي عايشت مراهقتنا و رسمت طقوسا جميلة لعلاقات الحب في مخيلتنا و اليوم صرنا نرى العشق عبر الأثير وعوضت الأسلاك الكهربائية الحمام الزاجل الذي كان يوصل آلام الحبيب و اشتياقه في سطور خطها بدموعه و رش عليها من عطره .
ربما في ظل السرعة المخيفة التي عرفها عصرنا اليوم صار من المستحيل الحفاظ على القواعد المتعارف عليها لنشوء علاقات بين الأفراد فكل شيء أصبح يقاس بالزمن و سرعة تنفيذه و هو ما استهوى الشباب و جعل أمامهم فرصة في إيجاد الحب الضال دون تعب و بذل للمجهود و قد يكون أيضا وسيلة آمنة لإيجاد الشريك دون المرور بكل تلك المراحل التي قد يكون الخجل سببا كبيرا في فشلها . فيما يعتبره بعضهم وسيلة للزواج و هناك أيضا من يرى أنها متعة لشغل أوقات الفراغ.
و من الأمور التي قد تجعل البعض يتحفظ على هذا النوع من العلاقات هي كون هذه الوسيلة مبتكرة جدا بل مخيفة أيضا لغموضها و عدم الكشف عن هوية مستخدميها فزوار مواقع الزواج مثلا لا يكشفون عن هويتهم الحقيقة في معظم الأوقات و يتركون الحقيقة بعيدة كل البعد عما يعيشونه في هذا العالم الافتراضي بل من الممكن أن تتحول علاقاتهم إلى أمراض نفسية و كذبة جميلة يعيشونها كلما جلسوا إلى حواسبهم فيتناسون العالم الخارجي و يلبسون أقنعتهم البطولية في محاولة لإغواء أجمل الجميلات أو أوسم الشباب... فتجد الشخص يضع في شخصيته كل ما تمنى وجوده فيها على ارض الواقع ولكنه لم يستطع و يقدم نفسه في أبهى صورة أمام الطرف الآخر و يلبس ثوب الحمل مخفيا وراءه ذئبا بشريا.
و هو ما يتضح فيما بعد انه كذب و بهتان و أن الشاب الوسيم المترف ما هو سوى شاب عادي يسترزق عواطفه على هذا الجهاز القديم الذي ربما ما زال يسدد أقساطه أو ربما فتاة تعاني من العزلة الاجتماعية و الأحكام الجائرة في حق الفتيات فلا تجد ضالتها إلا من خلال الانترنت الذي يوفر لها لحظات من السعادة و الدلال تكون فيها أميرة على عرش احدهم أو الأجمل و الألطف في غرف الدردشة التي تلم ما هب و دب من هذه النماذج البشرية و هذا يحدث في أسوء الحالات طبعا ففي العالم الافتراضي نحن أشبه ما نكون في حفل تنكري كل يرتدي قناعه الذي يميزه عن البقية و يجعل منه الأوسم و الأكثر غموضا .
حلم افتراضي و حقائق مغايرة للواقع في معظم الحالات هو واقع الحب الالكتروني و ازدياد يومي في عدد مستخدمي الانترنت بشكل مخيف و دون رقابة من الأهل خاصة بعدما غزا الانترنت بيوتنا و أصبح بتكلفة لا تثقل كاهل الآباء بشيء إذا كانت تصب في مصلحة الأبناء و في سبيل تفوقهم في دراستهم و هي الصيغة الجاري بها العمل كمبرر لارتياد الانترنت من طرف الأبناء بل و تعدى الأمر مجرد علاقات الحب الوهمية إلى علاقات زواج الكتروني و هي موضة بدأت تحتل موقعها بين الشباب والكثير من الشبان يعيشون الوهم ويركبون موجة الأحلام ليهربوا من الواقع إلى عالم افتراضي منسوج من كلمات خارج الزمان والمكان.
ربما يكون الانترنت وسيلة للاتصال و هو الوصف الذي أطلق عليه في بداياته و لم يقل انه وسيلة تواصل و بالتالي يصعب عليه تحقيق الفعل التواصلي مئة بالمائة فهناك دائما حلقة مفقودة لا يكتمل معها الفعل التواصلي فالتواصل لم يكن يوما كلاما و حروفا تكتب أو تخط فتوصل الإحساس و المعنى بل هو حواس متداخلة فيما بينها هو نظرات و أصوات و حروف تنطق لا تكتب و حركات و إيماءات وجه و جسد كلها تجتمع لتحقق شيئا واحدا هو الفعل التواصلي و بذلك يضل الإنترنت أكثر الاختراعات الإنسانية إبهارا و خطورة و إفادة و لكن تضل العلاقات الإنسانية أسمى و أرقى من أن تتحقق عبر أسلاك كهربائية. .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق