رضوان مبشور*
"لا نستطيع أن نقول أنه حدثت ثورة في مصر، لكننا لا نستطيع أن ننكر أن الثورة قد حدثت"، هكذا قال بنين أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا معلقا على ما حدث في عالمنا العربي.
هناك قاعدة تقول "لكي نفهم ما حدث لا بد أن نعرف من المستفيد".ولكي نفهم ما حدث في بلداننا العربية لا بد أن نعرف أي ثورة اجتماعية نريد؟ وأي انتفاضة نريد؟ ولأي حراك اجتماعي خرج من خرج؟
لتحقيق أي ثورة لا بد من توفر نوعين من العوامل، عوامل خارجية وعوامل داخلية، بعضها يلعب دور الصاعد وبعضها يلعب دور المفجر.
لكننا فلننظر لما جرى في عالمنا العربي.هناك في أفضل الأحوال نصف ثورة؛ فالثورة الحقيقية في حياة المجتمع تستطيع أن تحدث تطورا شاملا في كافة مناحي حياة الدولة والمجتمع، هذا التغيير يجب أن يكون سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وقد لا يصيب هذا التغيير رأس السلطة، فيمكن أن تكون هناك ثورة عبر صناديق الاقتراع فتتغير بنية الاقتصاد وبنية المجتمع، ولنا في النموذج التركي خير مثال، وإلى حد ما النموذج المغربي في الإصلاح رغم أنه لا يمكن أن نحكم على نجاحه من الآن.
من جانب آخر لا بد للثورة من توفر الإديولوجيا، ولا بد من توفر قادة حقيقيين قادرين في لحظة من اللحظات من الانتقال من منطق الثورة إلى منطق السلطة.
يقول جونتان أدلمان :"الثورات لا تزال ممكنة والتاريخ لم ينتهي بعد، ونحن قادرين على صناعة ثورات على النحو التالي: الفيسبوك يخلق أحزابا افتراضية ، اليوتوب يجعل إمكانية إيصال الخبر ممكنة في بلدان إعلامها مغلق مما يخلق قادة افتراضيين."
من كلام جونتان أدلمان نكون قد دخلنا مربع المؤامرة، الغرب صنع لنا أحزابا افتراضية وقادة افتراضيين ولدينا إعلام افتراضي، فنحن ذاهبون إذن إلى حالة افتراضية، حالة من الفوضى الخلاقة كما قالت كاتبة إسرائيلية.
الجديد في ما حدث في عالمنا العربي هو حينما تتآمر بعض المنابر الإعلامية على دول بأكملها وتتجاهل أخرى، وهنا نستشف الضلع الآخر من مربع المؤامرة، مؤامرة يمكن أن نفهمها من مقولة لدافيد وارملز المسؤول عن قسم الشرق الأوسط في فريق ديك تشيني حينما قال:"من ضمن خطتنا لابد أن ننتبه للإعلام، الإعلاميون كلهم أعداء، وكلهم يمكن أن يشكلوا معسكر الخصم . لكن لابد أن نجد إسطبلا من الإعلاميين العرب يشبه سفينة نوح، الأحصنة في هذا الإسطبل وظيفتهم أن يقولوا دائما أن سوريا و إيران هما المشكلة. أما الحمير فهم من يصدقوننا بأننا نريد الديمقراطية.أما حظيرة الخنازير الذين يقتاتون على فضلاتنا فمهمتهم كلما أعددنا مؤامرة أن يقولوا أين هي المؤامرة ؟
ما جرى في تونس ومصر وليبيا وما يحدث الآن في سوريا ما هو إلا إعادة توزيع الثروة بين كبار اللصوص، والمؤسف أن هؤلاء اللصوص لم يعودوا أولائك اللصوص الذين ألفناهم، بل أصبحوا لصوصا أجنبية دخلوا تحت مظلة الناتو وأكذوبة التعاون المشترك، أو الاستعمار الخلاق وحماية الثورات.
فبعض الدول العربية أزاحت رؤسائها الدكتاتوريين لكنهم أبقوا على الدكتاتورية، فقد ذهب الرئيس وبقيت أذنابه في الجيش وأجهزة الأمن والإعلام يعيثون فسادا وخرابا في البلاد.
فليبيا اليوم بعد ثورة الناتو تحتاج إلى 30 سنة بعد دمارها لكي تعون إلى ما كانت عليه في عهد القذافي. أما ثوار مصر الذين أسقطوا الدكتاتور واستنجدوا بالجيش الذي كان في صلب الأزمة التي تعيشها مصر اليوم من خلال إخفاقاته المتكررة، حيث كان متواطئا في الأزمة، وكان عنصرا عميلا كشرطي لإسرائيل في المنطقة وفي فترة مخابرات للأجهزة الأمريكية والموصاد، وبالتالي فثوار مصر في استنجادهم بالجيش حكموا على أنفسهم بالرجوع إلى ما قبل 1972. أما سوريا الأسد فقد ذهبت مثل ليبيا إلى مدارك و مهاول أبعد ما تكون عن متطلبات الثورة الحقيقية، وربما سيندم السوريون حينما سيقفون بالطوابير لكي يتصدق عليهم العرب بالخيام والبطاطين والحليب المجفف، فقد ينجح الثوار في إجتتاث الأسد وحاشيته لكن نظامه لن يمت.
اليوم على العرب أن يقفوا وقفة تأمل أتمنى ألا تطول لكي يعرفوا أن في كل ثورات الدنيا ليست هناك ثورة جاءت بديمقراطية ، بل الديمقراطية تأتي نتيجة التطور النوعي للشعوب خاصة عبر التعليم والثقافة؛ فالثورة الفرنسية مثلا استمرت عشرات السنين بعدما قتلت ودمرت وفي الأخير أثثنا بالإمبريالي نابوليون بونابارت، والثورة الروسية بعدما قتلت وضحت بمن ضحت أثثنا بستالين الذي أدخل الإتحاد السوفياتي فيما بعد في مدارك ندم عليها السوفياتيون فيما بعد.
صحيح أن في عالمنا العربي حراك اجتماعي لا أحد ينكره، لكن لم يصل بعد إلى درجة ثورة كاملة يمكن أن نعطيها كل مواصفات الثورة الحقيقية، بل ما حدث ويحدث هو مؤامرة غربية عبارة عن أنصاف ثورات، ومن ينجز نصف ثورة كمن يحفر قبره بيده.
*كاتب صحفي
mabchour21@hotmail.com
http://www.facebook.com/profile.php?id=100000533184750
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق